وسط مخاوف جزائرية وإسبانية من فرض "الهيمنة" المغربية على غرب المتوسط.. بدء التشغيل الجزئي لميناء الناظور الجديد بتصدير توربينات صينية
شهد ميناء الناظور غرب المتوسط بداية مرحلة التشغيل الجزئي، عقب إشرافه أمس الخميس، على أول عملية تصدير قادمة من الوحدة الصناعية الصينية المتخصصة في مكونات الطاقات المتجددة بجماعة أمجاو بإقليم الدريوش.
و غادرت شحنة من شفرات توربينات الرياح التي ينتجها مصنع الشركة الصينية Aeolon في اتجاه السوق الأوروبية، حيث يمثّل هذا الحدث إشارة عملية على جاهزية المنظومة الصناعية الجديدة لتلبية المعايير التقنية الصارمة المعتمدة داخل الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة النظيفة، بما يعكس انتقال المشروع من مرحلة الاختبارات إلى الدخول الفعلي في دورة الإنتاج الموجهة نحو الأسواق العالمية.
وأعطت هذه العملية دفعة قوية لتموقع المنطقة كقطب صناعي صاعد في قطاع الطاقات المتجددة، بعدما مرّت خلال الأشهر الماضية بسلسلة من الاختبارات التقنية والاستعدادات اللوجستية الدقيقة، ما أعاد التأكيد على قدرة البنية الإنتاجية الجديدة على مواكبة الطلب الدولي، وخصوصاً الأوروبي، في مجالات التصنيع الأخضر.
ويأتي هذا التطور استجابة لالتزامات حكومية سابقة تجاه المستثمر الصيني الذي ينشط عالمياً في تكنولوجيا الطاقات المتجددة، بعد الترخيص الذي منحته الوزارة مطلع نونبر للشركة من أجل الشروع في تصدير شفرات التوربينات الهوائية انطلاقاً من مصنعها الجديد بالإقليم.
وبموازاة هذا المسار الصناعي، يقترب ميناء الناظور غرب المتوسط من افتتاحه الرسمي، ليُشكل ثاني قطب بحري استراتيجي إلى جانب ميناء طنجة المتوسط، حيث يجعل موقعه القريب من القسم الغربي للحوض المتوسطي المغرب في وضعية تحكم لوجستي متقدم، بما يعزّز من حضوره في خطوط الملاحة العالمية.
كما يمنح البلاد ثنائية مينائية تنافسية ترتكز على نجاح ميناء طنجة المتوسط، الذي ارتقى إلى المركز الثالث عالميا في مؤشر الأداء العالمي لموانئ الحاويات لعام 2024، الصادر عن S&P Global Market Intelligence والبنك الدولي، متقدما على كل الموانئ الإفريقية والأوروبية.
ورغم أن الميناء الجديد لم يُدشَّن بعد، إلا أن تأثيره الإقليمي بدأ يتجلى بوضوح، خصوصا لدى الجيران في الضفة الشمالية، فمجاورته لميناء مليلية، الخاضع للسيادة الإسبانية، جعلت منه مصدر توتر مستمر للسلطات المحلية هناك، التي طلبت من الحكومة المركزية بمدريد إعفاء مينائها من الرسوم البيئية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على انبعاثات السفن، في محاولة لتخفيف أثر المنافسة المرتقبة مع الميناء المغربي الصاعد.
وتزايد هذا القلق الإسباني بشكل لافت منذ مارس 2024، بعدما تسربت أنباء عن وجود محادثات بين المغرب وCOSCO، رابع أكبر شركة شحن حاويات في العالم والمملوكة للدولة الصينية، لتولي إدارة محطة الميناء الجديد، وهي خطوة قد تُحدث تكاملا قويا بينه وبين ميناء طنجة المتوسط، بما يمنح المغرب زخما إضافيا للهيمنة على التجارة البحرية في غرب المتوسط.
ولم يقف أثر الميناء عند حدود الضفة الشمالية، فقد امتد قلقه كذلك إلى الجزائر، فالمسافة الفاصلة بينه وبين الحدود الجزائرية لا تتجاوز سبعين كيلومترا عبر بلدية مرسى بن مهيدي الساحلية في ولاية تلمسان، كما لا يبعد سوى 270 كيلومترا عن ميناء وهران.
بل إن تأثيره المحتمل يُنظر إليه كتهديد استراتيجي مباشر لميناء الجزائر العاصمة، الذي يُعتبر الأفضل وطنيا رغم تراجعه في التصنيفات الدولية، حيث حل في المركز 346 عالمياً في مؤشر CPPI لسنة 2023، خلف ثلاثة موانئ مغربية هي طنجة المتوسط والدار البيضاء وأكادير.
ويبدو أن ميناء الناظور غرب المتوسط يخطو نحو لعب دور مركزي في إعادة تشكيل التوازنات البحرية والتجارية بالمنطقة، مستفيدا من قربه من أوروبا، ومن اندماجه ضمن رؤية وطنية تهدف إلى جعل المغرب لاعبا محوريا في سلاسل التوريد المرتبطة بالصناعة الخضراء، ومن قدرته على استقطاب شركات كبرى في الطاقة المتجددة والشحن البحري.




